بعد انتصار الإمام علي بن أبي طالب على الخوارج في حرب النهروان، تشتّتوا وهزلت قوّتهم، فاجتمع نفر منهم بمكة المكرّمة، وكانوا ثلاثة، فتذاكروا أمر المسلمين، فعابوا أعمالهم، وترحّموا على أهل النهروان، وقال بعضهم لبعض: لو اشترينا أنفسنا لله عزّ وجل فأتينا أئمة الضلال وطلبنا غرّتهم، فأرحنا منهم العباد والبلاد، وثأرنا لإخواننا الشهداء بالنهروان. فتعاقدوا على ذلك عند انقضاء الحج. فقال عبدالرّحمن بن ملجم: أنا أكفيكم علي بن أبي طالب. توافقوا على الوفاء، على ألا يخذل واحد منهم صاحبه، على أن يكون ذلك في الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان، أما الرجلان الآخران، وهما البرك بن عبدالله التميمي المتعهّد بقتل معاوية، وعمرو بن بكر التميمي المتعهّد بقتل عمرو بن العاص. نجا معاوية وابن العاص. أما ابن ملجم فقد قدم الكوفة. وخطب هناك امرأة قُتِل أهلها في النهروان، فطلبت دم علي بن أبي طالب صداقاً. وقالت: تلتمس غرّته فإن أنت قتلته شفيت نفسي، وهنأك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير لك من الدّنيا والآخرة. خطّط ابن ملجم لقتل علي، بأن أقام كمين في المسجد الأعظم وقت صلاة الفجر. أثنــاء التنفيذ كادت المؤامرة تنكشف، ولكن ابن ملجم سارع بسلّ السيف حتى أصاب هدفه وصاح قائلاً: الحكم لله لا لك يا علي، وهبط السّيف في وسط رأسه، وكانت الضربة قاتلة.
قصة قتل الإمام علي بن أبي طالب مثيرة لحيرة العقل والضمير، وبكل المقاييس. حينما يُوضع الإمام علي اليوم في ميزان الشّخصيات التاريخيّة الخالدة، ويُنظر إليه باعتباره من الرّموز الإنسانيّة الأكثر تأثيراً في التاريخ؛ فلا شك أنّ كثيراً من هذه القراءة تُصاب بالإرباك والغموض وشدّة الوجع حينما تُوضع بإزاء خلفيات اغتياله. يُلحظ بوضوح الإيمان العقيدي الذي حرّك عملية الاغتيال. لقد كان ابن ملجم ورفاقه والمرأة مؤمنين بأنهم مقدمون على عمل عظيم، ومُقدّر عند الله تعالى. لقد وضعوا هذه العملية في مسار واحد مع تصفية معاوية وعمرو بن العاص، ونظروا إليهم جميعاً باعتبارهم من أئمة الضلال الذين يوجَب قتلهم وبذل الأنفس والتضحيات الجسام لأجل تحقيق هذا الهدف النبيل. إنهم يرون أنفسهم في ميثاق إلهيّ، باعوا أنفسهم بموجبه لأجل نيل الفوز والرّضا والخاتمة العظيمة. وهذه الخلفية لم تكن حالات خاصة واستثنائيّة، كما يبدو من المحيط الاجتماعي الذي خرج منه الثلاثة والمرأة، خصوصاً وأنهم كانوا في الأصل أتباعاً للإمام علي، وبالتالي فإنهم كانوا يعرفونه جيداً، ولكنهم خرجوا عليه عندما اعتقدوا أنه خالف حكم الله في لحظة التحكيم. هذا يعني خلط تلك النظرة التي تعتقد أنّ وجود المرء في عصر الرّسالة أو الخلفاء الراشدين يمكن أن يكون محفّزاً أكثر على الإيمان والتمسّك بالحق. ولكن الحقيقة التاريخيّة تخبرنا عكس ذلك. لقد اُتهم الإمام علي بمخالفة حكم الله، واتباع هواه، وكان ذلك اعتقاداً وليس سياسة أو دهاءً حزبيّاً. إنها عبرة لأخذ الحذر من زلل الإيمان، ولو في حضرة المعصوم.
قصة قتل الإمام علي بن أبي طالب مثيرة لحيرة العقل والضمير، وبكل المقاييس. حينما يُوضع الإمام علي اليوم في ميزان الشّخصيات التاريخيّة الخالدة، ويُنظر إليه باعتباره من الرّموز الإنسانيّة الأكثر تأثيراً في التاريخ؛ فلا شك أنّ كثيراً من هذه القراءة تُصاب بالإرباك والغموض وشدّة الوجع حينما تُوضع بإزاء خلفيات اغتياله. يُلحظ بوضوح الإيمان العقيدي الذي حرّك عملية الاغتيال. لقد كان ابن ملجم ورفاقه والمرأة مؤمنين بأنهم مقدمون على عمل عظيم، ومُقدّر عند الله تعالى. لقد وضعوا هذه العملية في مسار واحد مع تصفية معاوية وعمرو بن العاص، ونظروا إليهم جميعاً باعتبارهم من أئمة الضلال الذين يوجَب قتلهم وبذل الأنفس والتضحيات الجسام لأجل تحقيق هذا الهدف النبيل. إنهم يرون أنفسهم في ميثاق إلهيّ، باعوا أنفسهم بموجبه لأجل نيل الفوز والرّضا والخاتمة العظيمة. وهذه الخلفية لم تكن حالات خاصة واستثنائيّة، كما يبدو من المحيط الاجتماعي الذي خرج منه الثلاثة والمرأة، خصوصاً وأنهم كانوا في الأصل أتباعاً للإمام علي، وبالتالي فإنهم كانوا يعرفونه جيداً، ولكنهم خرجوا عليه عندما اعتقدوا أنه خالف حكم الله في لحظة التحكيم. هذا يعني خلط تلك النظرة التي تعتقد أنّ وجود المرء في عصر الرّسالة أو الخلفاء الراشدين يمكن أن يكون محفّزاً أكثر على الإيمان والتمسّك بالحق. ولكن الحقيقة التاريخيّة تخبرنا عكس ذلك. لقد اُتهم الإمام علي بمخالفة حكم الله، واتباع هواه، وكان ذلك اعتقاداً وليس سياسة أو دهاءً حزبيّاً. إنها عبرة لأخذ الحذر من زلل الإيمان، ولو في حضرة المعصوم.