السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحفل شهر رمضان المبارك بالكثير من المناسبات العظيمة وعلى رأسها نزول القرآن الكريم على النبي الأكرم «ص» وليلة القدر وبعض الغزوات ومناسبات أخرى حدثت في هذا الشهر الفضيل حتى عصرنا الحاضر، ومن أبرز تلك الحوادث استشهاد الإمام علي بن أبي طالب «ع» عندما خر شهيدا في مسجد الكوفة في صلاة الصبح من فجر يوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك سنة أربعين للهجرة بسيف الغدر والخيانة، وسيف التكفير.
هذا السيف الذي لا يزال يقطر من دماء الأبرياء حتى يومنا هذا، ولتصعد روحه الطاهرة إلى الرفيق الأعلى في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك.
إن من أصعب الأمور أن تمسك القلم لتخط شيئا عن حياة هذه الشخصية العملاقة، عن أعجوبة الزمان وترجمان القرآن وأخي رسول الله «ص» ونفسه بشهادة آية المباهلة وباب مدينة علمه «ص» وحامل لوائه وصوت العدالة الإنسانية, لا تدري من أين تبدأ وأين تنتهي؟
إنه محيط واسع مهما بذلت من جهد فإنك لن تستطيع أن تسبر غوره وتصل إلى منتهاه ولكنها خطوة صغيرة من متطفل قليل الزاد يحاول أن يسلط الضوء على بعض المشاهد من حياة الإمام علي «ع».
--------------------------------------------------------------------------------
المشهد الأول موقفه من الخلافة والزعامة
إن من أكبر الأمور التي أسالت الدماء أنهارا وملأت الأرض أشلاء الصراع على الزعامة والتشبث بكرسي الرئاسة، إلا أن الإمام عليا «ع» كان ينظر إليها نظرة أخرى فهي لديه لا تساوي عفطة عنز ولا شسع نعل، إلا أن يحق الحق ويقيم العدل فهي وسيلة لا غاية.
وعندما انهال عليه المهاجرون والأنصار ليبايعوه بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان «رض» قال لهم: أنا لكم وزيرا خير مني أميرا فابحثوا عن غيري لهذا الأمر, ولم يقبل بتولي الخلافة إلا بعد إلحاح شديد من قبل جمهور المهاجرين والأنصار، بينما في عصرنا الحاضر تعدّل الدساتير وتزور الانتخابات حتى يبقى بعض الزعماء على سدة الحكم إلى أن تخرج روحه من جسده ويورثها لأبنائه.--------------------------------------------------------------------------------
المشهد الثاني مسكن الإمام علي (ع)
لما وصل إلى الكوفة ليتخذها مقرا لخلافته قيل له هذا قصر الإماره ومحل إقامة الولاة فاتخذه سكنا لك ولأسرتك، إلا أنه أبى ذلك ونزل ضيفا في بيت ابن أخته جعدة بن أبي هبيرة المخزومي, وأقام له بيتاَ من السعف والطين واشترط على البناء ألا يرتفع السقف أكثر من ارتفاع اليد الممدودة فوق الرأس, واتخذ له أثاثاَ متواضعاَ جداَ وهو مجموعة من الحصر والأواني الفخارية وأطلق على قصر الإمارة دار الخبال أو قصر الخبال.
بينما الزعماء والحكام وفي مختلف العصور يتفنون في إقامة القصور وربما وصل عددها إلى العشرات بل ربما أكثر موزعة في مختلف بقاع المعمورة لتنهش من أموال الشعب النهش الكثير, فليتهم اتخذوا من هذه الشخصية العظيمة أسوة وقدوة وأنّى لهم ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
المشهد الثالث لباس الإمام (ع)
كان لباسه بسيطا متواضعا قال عنه في إحدى خطبه (والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ولقد قيل لي ألا تستبدل بها غيرها فقلت للقائل: ويحك اعزب فعند الصباح يحمد القوم السرى).
وقف عند بائع الثياب ومعه غلامه قمبر فعرض عليه ثوبين ثوب بثلاثة دراهم وثوب بدرهمين، فأعطى ذا الثلاثة دراهم لغلامه قمبر واحتفظ لنفسه بالثاني ذي الدرهمين فقال له غلامه: يا أمير المؤمنين خذ هذا فأنت تعلو المنبر وتخطب الناس, فقال الإمام علي «ع»: أنا أعلو المنبر وأخطب الناس أما أنت فشاب ولك بهجة الشاب وأنا أستحي من ربي أن أتفضل عليك.
إن لباسه عليه السلام لا يكلف ميزانية الدولة شيئا, أما زعماء العالم فلكل واحد منهم خيّاطه الخاص وأصناف وأشكال من البدل والبزات وبأعداد لا يحصي عددها إلا الله سبحانه وتعالى، فلباس المساء غير الصباح ولكل مناسبة لباسها ولكل ساعة لبوسها, إنهم بحاجة إلى ميزانية كبيرة تقتطع من أقوات الشعوب ليمشي أحدهم في الأرض مرحا.
فسلام عليك يا أبا الحسن ليتهم أخذوا من سيرتك نورا ليستضيئوا به ولكن هيهات هيهات.
--------------------------------------------------------------------------------
المشهد الرابع طعام الإمام علي (ع)
كان طعامه «ع» لا يتعدى كسيرات من خبز الشعير غير منزوع القشر مع قليل من الحليب أو التمر.
ففي إحدى المرات دعا أحد أصحابه ولعله الأحنف بن قيس لتناول العشاء، ولما استقربه المقام عمد الإمام علي «ع» إلى جراب محكم الإغلاق ففتحه وأخرج منه بعض الأرغفة اليابسة المصنوعة من الشعير، فاستغرب الأحنف بن قيس من ربط الإمام علي «ع» لهذا الجراب بهذه الطريقة المحكمة, فقال له الإمام «ع» إنني خشيت أن يعمد الحسن والحسين «ع» لوضع شيء من السمن أو الزيت على هذا الخبز.
وفي كتابه لواليه على البصرة عثمان بن حنيف دروس وعبر في معنى الزهد والتحسس لآلام الجوعى التي قد يعانيها محروم هنا وفقير هناك ممن هم تحت سلطانه عليه السلام وضمن رعيته، إذ يقول له في كتابه إليه عندما ورده خبر دعوة أحد فتيان البصرة ممن عرفوا بالبذخ والترف لعثمان بن حنيف على مائدة: «ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل, ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز, ولكن هيهات أن يغلبني هواي, ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمه, ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص, ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا, وحولي بطون غرثى, وأكباد حرى، أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين, ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟».
وماذا يقول المرء في زعماء العالم وهذا الترف والبذخ والإسراف, فلضيف واحد تمد الموائد الطويلة العريضة ويتفنن الطباخون في طبخ أصناف غريبة وعجيبة من الأطعمة التي تكلف موازنة البلاد المبالغ الطائلة، وفي النهاية لا يؤكل منها شيء وتؤخذ للخدم والحشم أو يلقى بها في الزبالة، وفي المقلب الآخر هناك من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع وهناك بطون غرثى وأكباد حرى وهناك من يبحث عن قوته في النفايات وبراميل القمامة, فما أحوجنا للسير على خطاك يا سيدي يا أمير المؤمنين.
--------------------------------------------------------------------------------
المشهد الخامس علاقة الإمام علي (ع) بالمال العام
المال عند الإمام علي «ع» أمانة كبرى ومسؤولية عظمى يجب أن تصل إلى أصحابها ومستحقيها لا تأخذه في هذا الأمر لومة لائم, فلا محسوبية لدية ولا مكانة خاصة لعائلته وأهله؛ فالعدل أساس الملك وقصته مع أخيه عقيل مضرب المثل يعرفها القاصي والداني، والعدالة لدى الإمام علي «ع» ليست تكلفا وتخبطا بل هي طبع وسليقة وترجمة عملية وحقيقية لتعاليم الإسلام التي استقاها مباشرة من منبعها الأصيل من الرسول الأعظم «ص».
فجاءه مسؤول بيت المال وأخبره بأن بيت المال قد امتلأ بالدراهم والدنانير, من الذهب والفضه فقام الإمام «ع» ودخل بيت المال ونودي في الناس فاجتمعوا فأعطاهم جميع ما في بيت المال وهو يقول: «يا بيضاء يا صفراء غري غيري حتى لم يبق فيه درهم ولا دينار», ثم أمر بغسله وصلى فيه ركعتين شكرا لله سبحانه وتعالى.
فماذا يقول فقراء العالم وهم يرون قادتهم يكنزون المليارات وينفقونها على متعهم وملذاتهم ويغدقونها على الأتباع والمتزلفين والمتسلقين وتصرف في غير وجوهها الشرعية بينما هناك من لا يجد حتى أهم ضرورات الحياة... فسلام الله عليك يا مولاي يا أبا الحسن.
--------------------------------------------------------------------------------
المشهد السادس علاقة الإمام علي (ع) بالمعارضة
عندما تولى الإمام علي «ع» مقاليد الخلافة وعلى الرغم من كونه الخليفة الوحيد الذي تمت له البيعه بصورة شعبية وطبيعية بلا تعسف أو إكراه لأحد, بل بعد إلحاح شديد من القواعد الشعبية، إلا أن بعض الصحابة استشكلوا في شرعية خلافته «ع» وامتنعوا عن بيعته بل إن بعضهم قال له مباشرة إني لن أبايعك أي أنني لا أعترف بك خليفة شرعيا، إلا أن الإمام عليا «ع» لم يلق بهم في غياهب السجون ولم ينفهم من الأرض، بل كفل لهم حق المواطنة ألا يمنعوا من دخول المساجد ولا تحجب عنهم حقوقهم في العطاء، فلقد احترم قناعاتهم وإراداتهم بشرط ألا يحدثوا في الأرض فسادا بالاعتداء على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم.
ومن سخرية الأيام وهو ان الدنيا على الله جل وعلا أن يشكك بعض ممن عاصر الإمام عليا «ع» في شرعية خلافته فيمتنعوا عن بيعته وهم ممن عاشر رسول الله «ص» وسمع منه الكثير الكثير عن فضائل الامام «ع» ومكانته ومنزلته العالية، وتدور الأيام ويسرع بعض أولئك إلى الحجاج ليبايعوه نيابة عن الخليفة فكان أن مد الحجاج رجله لذلك الممتنع عن بيعة علي عليه السلام المقبل على بيعة الحجاج قائلا له ما مضمونه: «يداي مشغولتان فهاك رجلي فبايعها», فأين الثريا وأين الثرى, فهل تجد اليوم أو ما قبله أو ما بعده من الأيام حاكما كأبي الحسن عليه السلام يسلك هذا المسلك مع من يقول له لا أعترف بك حاكما؟ بل مع من يطالب بأبسط حقوقه الشرعية.
إنه وبكل تأكيد لن يرى الشمس مطلقا.
كان عليه السلام شديد العطف حتى على قاتله -الذي فجع الإسلام والمسلمين بجريمته الكبرى- إلا أنه عليه السلام كان يأمر أبناءه بحسن معاملته وأن يطيبوا مطعمه ويلينوا فراشه, وأن يكون القصاص منه قصاصا شرعيا ضربة بضربة, وألا ينسحب هذا الأمر على عائلته وأهله فالعقوبة فردية «ولا تزر وازرة وزر أخرى».
فما أحوجنا لك يا سيدي ونحن في زمان يضرب الظلم والجور بأطنابه أرجاء المعمورة، فليت العالم يأخذ قبسا من نور علمك وعدلك وورعك وتقواك، إذا لتحولت هذه الأرض إلى روضة من رياض الجنة، وسلام عليك سيدي يوم ولدت في بيت الله و يوم استشهدت في بيت الله و في شهر الله وسلام عليك سيدي يوم تبعث حيا.
يحفل شهر رمضان المبارك بالكثير من المناسبات العظيمة وعلى رأسها نزول القرآن الكريم على النبي الأكرم «ص» وليلة القدر وبعض الغزوات ومناسبات أخرى حدثت في هذا الشهر الفضيل حتى عصرنا الحاضر، ومن أبرز تلك الحوادث استشهاد الإمام علي بن أبي طالب «ع» عندما خر شهيدا في مسجد الكوفة في صلاة الصبح من فجر يوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك سنة أربعين للهجرة بسيف الغدر والخيانة، وسيف التكفير.
هذا السيف الذي لا يزال يقطر من دماء الأبرياء حتى يومنا هذا، ولتصعد روحه الطاهرة إلى الرفيق الأعلى في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك.
إن من أصعب الأمور أن تمسك القلم لتخط شيئا عن حياة هذه الشخصية العملاقة، عن أعجوبة الزمان وترجمان القرآن وأخي رسول الله «ص» ونفسه بشهادة آية المباهلة وباب مدينة علمه «ص» وحامل لوائه وصوت العدالة الإنسانية, لا تدري من أين تبدأ وأين تنتهي؟
إنه محيط واسع مهما بذلت من جهد فإنك لن تستطيع أن تسبر غوره وتصل إلى منتهاه ولكنها خطوة صغيرة من متطفل قليل الزاد يحاول أن يسلط الضوء على بعض المشاهد من حياة الإمام علي «ع».
--------------------------------------------------------------------------------
المشهد الأول موقفه من الخلافة والزعامة
إن من أكبر الأمور التي أسالت الدماء أنهارا وملأت الأرض أشلاء الصراع على الزعامة والتشبث بكرسي الرئاسة، إلا أن الإمام عليا «ع» كان ينظر إليها نظرة أخرى فهي لديه لا تساوي عفطة عنز ولا شسع نعل، إلا أن يحق الحق ويقيم العدل فهي وسيلة لا غاية.
وعندما انهال عليه المهاجرون والأنصار ليبايعوه بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان «رض» قال لهم: أنا لكم وزيرا خير مني أميرا فابحثوا عن غيري لهذا الأمر, ولم يقبل بتولي الخلافة إلا بعد إلحاح شديد من قبل جمهور المهاجرين والأنصار، بينما في عصرنا الحاضر تعدّل الدساتير وتزور الانتخابات حتى يبقى بعض الزعماء على سدة الحكم إلى أن تخرج روحه من جسده ويورثها لأبنائه.--------------------------------------------------------------------------------
المشهد الثاني مسكن الإمام علي (ع)
لما وصل إلى الكوفة ليتخذها مقرا لخلافته قيل له هذا قصر الإماره ومحل إقامة الولاة فاتخذه سكنا لك ولأسرتك، إلا أنه أبى ذلك ونزل ضيفا في بيت ابن أخته جعدة بن أبي هبيرة المخزومي, وأقام له بيتاَ من السعف والطين واشترط على البناء ألا يرتفع السقف أكثر من ارتفاع اليد الممدودة فوق الرأس, واتخذ له أثاثاَ متواضعاَ جداَ وهو مجموعة من الحصر والأواني الفخارية وأطلق على قصر الإمارة دار الخبال أو قصر الخبال.
بينما الزعماء والحكام وفي مختلف العصور يتفنون في إقامة القصور وربما وصل عددها إلى العشرات بل ربما أكثر موزعة في مختلف بقاع المعمورة لتنهش من أموال الشعب النهش الكثير, فليتهم اتخذوا من هذه الشخصية العظيمة أسوة وقدوة وأنّى لهم ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
المشهد الثالث لباس الإمام (ع)
كان لباسه بسيطا متواضعا قال عنه في إحدى خطبه (والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ولقد قيل لي ألا تستبدل بها غيرها فقلت للقائل: ويحك اعزب فعند الصباح يحمد القوم السرى).
وقف عند بائع الثياب ومعه غلامه قمبر فعرض عليه ثوبين ثوب بثلاثة دراهم وثوب بدرهمين، فأعطى ذا الثلاثة دراهم لغلامه قمبر واحتفظ لنفسه بالثاني ذي الدرهمين فقال له غلامه: يا أمير المؤمنين خذ هذا فأنت تعلو المنبر وتخطب الناس, فقال الإمام علي «ع»: أنا أعلو المنبر وأخطب الناس أما أنت فشاب ولك بهجة الشاب وأنا أستحي من ربي أن أتفضل عليك.
إن لباسه عليه السلام لا يكلف ميزانية الدولة شيئا, أما زعماء العالم فلكل واحد منهم خيّاطه الخاص وأصناف وأشكال من البدل والبزات وبأعداد لا يحصي عددها إلا الله سبحانه وتعالى، فلباس المساء غير الصباح ولكل مناسبة لباسها ولكل ساعة لبوسها, إنهم بحاجة إلى ميزانية كبيرة تقتطع من أقوات الشعوب ليمشي أحدهم في الأرض مرحا.
فسلام عليك يا أبا الحسن ليتهم أخذوا من سيرتك نورا ليستضيئوا به ولكن هيهات هيهات.
--------------------------------------------------------------------------------
المشهد الرابع طعام الإمام علي (ع)
كان طعامه «ع» لا يتعدى كسيرات من خبز الشعير غير منزوع القشر مع قليل من الحليب أو التمر.
ففي إحدى المرات دعا أحد أصحابه ولعله الأحنف بن قيس لتناول العشاء، ولما استقربه المقام عمد الإمام علي «ع» إلى جراب محكم الإغلاق ففتحه وأخرج منه بعض الأرغفة اليابسة المصنوعة من الشعير، فاستغرب الأحنف بن قيس من ربط الإمام علي «ع» لهذا الجراب بهذه الطريقة المحكمة, فقال له الإمام «ع» إنني خشيت أن يعمد الحسن والحسين «ع» لوضع شيء من السمن أو الزيت على هذا الخبز.
وفي كتابه لواليه على البصرة عثمان بن حنيف دروس وعبر في معنى الزهد والتحسس لآلام الجوعى التي قد يعانيها محروم هنا وفقير هناك ممن هم تحت سلطانه عليه السلام وضمن رعيته، إذ يقول له في كتابه إليه عندما ورده خبر دعوة أحد فتيان البصرة ممن عرفوا بالبذخ والترف لعثمان بن حنيف على مائدة: «ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل, ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز, ولكن هيهات أن يغلبني هواي, ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمه, ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص, ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا, وحولي بطون غرثى, وأكباد حرى، أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين, ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟».
وماذا يقول المرء في زعماء العالم وهذا الترف والبذخ والإسراف, فلضيف واحد تمد الموائد الطويلة العريضة ويتفنن الطباخون في طبخ أصناف غريبة وعجيبة من الأطعمة التي تكلف موازنة البلاد المبالغ الطائلة، وفي النهاية لا يؤكل منها شيء وتؤخذ للخدم والحشم أو يلقى بها في الزبالة، وفي المقلب الآخر هناك من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع وهناك بطون غرثى وأكباد حرى وهناك من يبحث عن قوته في النفايات وبراميل القمامة, فما أحوجنا للسير على خطاك يا سيدي يا أمير المؤمنين.
--------------------------------------------------------------------------------
المشهد الخامس علاقة الإمام علي (ع) بالمال العام
المال عند الإمام علي «ع» أمانة كبرى ومسؤولية عظمى يجب أن تصل إلى أصحابها ومستحقيها لا تأخذه في هذا الأمر لومة لائم, فلا محسوبية لدية ولا مكانة خاصة لعائلته وأهله؛ فالعدل أساس الملك وقصته مع أخيه عقيل مضرب المثل يعرفها القاصي والداني، والعدالة لدى الإمام علي «ع» ليست تكلفا وتخبطا بل هي طبع وسليقة وترجمة عملية وحقيقية لتعاليم الإسلام التي استقاها مباشرة من منبعها الأصيل من الرسول الأعظم «ص».
فجاءه مسؤول بيت المال وأخبره بأن بيت المال قد امتلأ بالدراهم والدنانير, من الذهب والفضه فقام الإمام «ع» ودخل بيت المال ونودي في الناس فاجتمعوا فأعطاهم جميع ما في بيت المال وهو يقول: «يا بيضاء يا صفراء غري غيري حتى لم يبق فيه درهم ولا دينار», ثم أمر بغسله وصلى فيه ركعتين شكرا لله سبحانه وتعالى.
فماذا يقول فقراء العالم وهم يرون قادتهم يكنزون المليارات وينفقونها على متعهم وملذاتهم ويغدقونها على الأتباع والمتزلفين والمتسلقين وتصرف في غير وجوهها الشرعية بينما هناك من لا يجد حتى أهم ضرورات الحياة... فسلام الله عليك يا مولاي يا أبا الحسن.
--------------------------------------------------------------------------------
المشهد السادس علاقة الإمام علي (ع) بالمعارضة
عندما تولى الإمام علي «ع» مقاليد الخلافة وعلى الرغم من كونه الخليفة الوحيد الذي تمت له البيعه بصورة شعبية وطبيعية بلا تعسف أو إكراه لأحد, بل بعد إلحاح شديد من القواعد الشعبية، إلا أن بعض الصحابة استشكلوا في شرعية خلافته «ع» وامتنعوا عن بيعته بل إن بعضهم قال له مباشرة إني لن أبايعك أي أنني لا أعترف بك خليفة شرعيا، إلا أن الإمام عليا «ع» لم يلق بهم في غياهب السجون ولم ينفهم من الأرض، بل كفل لهم حق المواطنة ألا يمنعوا من دخول المساجد ولا تحجب عنهم حقوقهم في العطاء، فلقد احترم قناعاتهم وإراداتهم بشرط ألا يحدثوا في الأرض فسادا بالاعتداء على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم.
ومن سخرية الأيام وهو ان الدنيا على الله جل وعلا أن يشكك بعض ممن عاصر الإمام عليا «ع» في شرعية خلافته فيمتنعوا عن بيعته وهم ممن عاشر رسول الله «ص» وسمع منه الكثير الكثير عن فضائل الامام «ع» ومكانته ومنزلته العالية، وتدور الأيام ويسرع بعض أولئك إلى الحجاج ليبايعوه نيابة عن الخليفة فكان أن مد الحجاج رجله لذلك الممتنع عن بيعة علي عليه السلام المقبل على بيعة الحجاج قائلا له ما مضمونه: «يداي مشغولتان فهاك رجلي فبايعها», فأين الثريا وأين الثرى, فهل تجد اليوم أو ما قبله أو ما بعده من الأيام حاكما كأبي الحسن عليه السلام يسلك هذا المسلك مع من يقول له لا أعترف بك حاكما؟ بل مع من يطالب بأبسط حقوقه الشرعية.
إنه وبكل تأكيد لن يرى الشمس مطلقا.
كان عليه السلام شديد العطف حتى على قاتله -الذي فجع الإسلام والمسلمين بجريمته الكبرى- إلا أنه عليه السلام كان يأمر أبناءه بحسن معاملته وأن يطيبوا مطعمه ويلينوا فراشه, وأن يكون القصاص منه قصاصا شرعيا ضربة بضربة, وألا ينسحب هذا الأمر على عائلته وأهله فالعقوبة فردية «ولا تزر وازرة وزر أخرى».
فما أحوجنا لك يا سيدي ونحن في زمان يضرب الظلم والجور بأطنابه أرجاء المعمورة، فليت العالم يأخذ قبسا من نور علمك وعدلك وورعك وتقواك، إذا لتحولت هذه الأرض إلى روضة من رياض الجنة، وسلام عليك سيدي يوم ولدت في بيت الله و يوم استشهدت في بيت الله و في شهر الله وسلام عليك سيدي يوم تبعث حيا.